نشأة الاستشراق

المؤلفون

  • د. عبد الكريم محمّد علوان

الملخص

أطلق لفظ الاستشراق على المحاولة التي قام ويقوم بها بعض مفكري الغرب للوقوف على معالم الفكر الإسلامي وحضارته وثقافة الشرق وعلومه.

          كما أطلق لفظ مستشرق على المفكرين المشتغلين بدراسة علوم الشرق وتاريخه وحضارته وأوضاعه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومن المفيد أن يعرف القارئ الكريم أن مصطلح (الشرق) يرجع في أصل وضعه إلى مفكري الغرب، فهم الذين قسموا العالم إلى شرق وغرب، وقسموا الشرق إلى شرق أدنى وأوسط واقصى، ويطلق لفظ الشرق عادة على المنطقة وشعوب آسيا وأفريقيا، أما لفظ الشرق الأوسط فيطلق عادة على المنطقة العربية وشعوب آسيا وأفريقيا، أما لفظ الشرق الأوسط فيطلق عادة على المنطقة العربية، وفي العصر الحاضر أطلق لفظ العالم الثالث على تلك الشعوب التي كان يطلق عليها في الماضي العالم الشرقي، أو دول الشرق.

          لذا فأن الاستشراق هو دراسة كافة البنى الثقافية للشرق من وجهة نظر غربي، وتستخدم كلمة الاستشراق أيضاً لتدليل تقليد أو تصوير جانب من الحضارات الشرقية لدى الرواة والفنانين في الغرب. المعنى الآخير هو معنى مهمل ونادر استخدامه، والاستخدام الأغلب هو دراسة الشرق في العصر الاستعماري ما بين القرن الثامن عشر والتاسع عشر. لذلك صارت كلمة الاستشراق تدل على المفهوم السلبي وتنطوي على التفاسير المضرة والقديمة للحضارات الشرقية والناس الشرقيين. وجهة النظر هذه مبينة في كتاب أدوارد سعيد الاستشراق (المنشور سنة 1978).

          والاستشراق تعبير يدل على الاتجاه نحو الشرق، ويطلق على كل ما يبحث في أمور الشرقيين وثقافتهم وتاريخهم. ويقصد به ذلك التيار الفكري الذي يتمثل في إجراء الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي، والتي تشمل حضارته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته. ولقد أسهم هذا التيار في صياغة التصورات الغربية عن الشرق عامة وعن العالم الإسلامي بصورة خاصة، معبراً عن الخلفية الفكرية للصراع الحضاري بينهما([i]).

          اختلف الباحثون في تحديد بداية الاستشراق ونشأته: فيذكر البعض أنه بدأ في القرن العاشر الميلادي بينما يرى البعض الآخر أن الاستشراق بدأ في أعقاب الحروب الصليبية التي استمرت زهاء قرنين (1097-1295م) ويقول البعض: أن الاستشراق بدأ في الأندلس في القرن الثالث عشر الميلادي حين اشتدت حملة الصليبيين الأسبان على المسلمين فدعا "الفونس" ملك فشتالة" ميشيل سكوت "ليقوم بالبحث من علوم المسلمين وحضارتهم فجمع "سكوت" طائفة من الرهبان في إحدى الأديرة وشرعوا في ترجمة بعض الكتب من اللغة العربية إلى لغة الفرنجة ثم قدمها "سكوت لملك صقلية الذي أمر باستنساخ نسخ منها وبعث بها هدية إلى جامعة باريس([ii]).

          ويربط أحد الباحثين بين ظهور الاستشراق وبداية الأطماع الأوربية الاستعمارية في العالم الإسلامي في القرن الثامن عشر الميلادي حين ضعفت قبضة الدولة العثمانية التي كانت تضرب سياجاً من العزلة منع الأوربيين من الاتصال بالشرق فترة ثم ما لبثت أوربا أن تدخلت في شؤون الشرق فكان ذلك بداية الاستشراق.

 

 

 

 

وهناك من يعتبر الحملة الفرنسية على مصر وغيرها من بلاد الشرق في سنة 1798م هي البداية الحقيقية للاستشراق لأن الحملة جاءت ومعها عدد كبير من المستشرقين الذين قاموا بعمل دراسات مختلفة نشرت في الكتاب المعروف "بكتاب وصف مصر"([iii]).

على أنه يجب أن نفرق بين نوعين من الاستشراق: أولهما "سلمي" يتمثل في إقدام الغربيين على أن ينهلوا من منابع الحضارة الشرقية وأهمها الحضارة الإسلامية فمن الثابت أن المسلمين أصبحوا- فيما بين القرن الثامن والثالث عشر الميلادي حملة مشاعل الثقافة في ربوع العالم أجمع، في الوقت الذي كانت فيه أوربا تسبح في دياجير الظلام وقد أشعت الحضارة الإسلامية بنورها على  أوربا من منافذ عدة أهمها بلاد الأندلس الإسلامية التي كتبت صفحة من اروع صفحات الحضارة في القارة الأوربية في العصور الوسطى إذ انهالت عليها البعثات العلمية من شتى ربوع أوربا وقصدها المتعطشون للعلم والمعرفة([iv]).

وإذا كان نجم الإسلام قد أفل في سماء الأندلس على النحو المذكور فإنه قد بزغ في سماء بلاد أخرى على أيدي الأتراك العثمانيين الذين أسقطوا الدولة البيزنطية وفتحوا عاصمتها القسطنطينية وتربعوا على الأناضول ثم توغلوا في جنوب شرقي أوربا ناشرين الإسلام هناك ودانت لحكمهم كل شبه جزيرة البلقان التي تشمل اليوم أغلب أراضي كل من: رومانيا وبلغاريا واليونان ويوغوسلافيا والمجر وألبانيا، وتحطمت الأحلاف المسيحية المتعددة التي الفت ضدهم حلفاً أثر حلف وامتد نفوذ المسلمين في أوربا وعلت أصوات المؤذنين في مساجدها ويمكن القول بأن الدولة العثمانية منذ مطلع القرن السادس عشر غدت أقوى دولة على وجه الارض ويشير المستشرق الأمريكي المعاصر "ولفرد سميث" إلى دور الأتراك العثمانيين في حماية الإسلام والعالم الإسلامي بقوله: ليس تاريخ الأتراك العثمانيين في حماية الإسلام ببعيد، وهم عظماء في إسلامهم واستغلوا قوتهم في دعم الإسلام فنشروه في جهات كثيرة ودافعوا عنه ضد المسيحيين وهم الذين تغلبوا على الدولة البيزنطية ألد أعداء الإسلام فقضوا عليها وفضلاً عن ذلك نشر الأتراك الإسلام في جنوبي أوربا أما من جهة الثقافة الإسلامية فقد منحوها العون الكثير بنشاطهم ومثابرتهم وقد ترتب على ذلك من اكتسب الإسلام مرتدين عن المسيحية يقدر عددهم بعشرات الملايين

 

التنزيلات

منشور

2025-01-22

إصدار

القسم

Articles